الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقولهم: {لنرسل عليهم} أي لنهلكهم بهذه الحجارة. ومتى اتصلت (أرسل) بـ(على): فهي بمعنى المبالغة في المباشرة والعذاب. ومتى اتصلت ب (إلى)، فهي أخف. وانظر ذلك تجده مطردًا.وقوله تعالى: {حجارة من طين} بيان يخرج عن معتاد حجارة البرد التي هي من ماء. ويروى أنه طين طبخ في نار جهنم حتى صار حجارة كالآجر. و: {مسومة} نعت ل {حجارة}، وقيل معناه متروكة وسومها من الإهلاك والأنصباب. وقيل معناه: معلمة بعلامتها من السيما والسومى وهي العلامة، أي إنها ليست من حجارة الدنيا، وقال الزهراوي والرماني، وقيل معناه: على حجر اسم المضروب به. وقال الرماني وقيل كان عليها أمثال الخواتم. وقال ابن عباس: تسويمها إن كان في الحجارة السود نقط بيض وفي البيض سود. ويحتمل أن يكون المعنى: أنها بجملتها معلومة عند ربك لهذا المعنى معلمة له. لا أن كل واحد منها له علامة خاصة به. والمسرف: الذي يتعدى الطور، فإذا جاء مطابقًا فهو لأبعد الغايات الكفر فما دونه.ثم أخبر تعالى أنه أخرج بأمره من كان في قرية لوط {من المؤمنين} منجيًا لهم. وأعاد الضمير على القرية. ولم يصرح لها قبل ذلك بذكر لشهرة أمرها. ولأن القوم المجرمين معلوم أنهم في قرية ولا بد. قال المفسرون: ولا فرق بين تقدم ذكر المؤمنين وتأخره، وإنما هما وصفان ذكرهم أولًا بأحدهما ثم آخر بالثاني. قال الرماني: الآية دالة على أن الإيمان هو الإسلام.قال القاضي أبو محمد: ويظهر إليّ أن في المعنى زيادة تحسن التقديم للإيمان، وذلك أنه ذكره مع الإخراج من القرية، كأنه يقول: نفذ أمرنا بإخراج كل مؤمن، ولا يشترط فيه أن يكون عاملًا بالطاعات. بل التصديق بالله فقط.ثم لما ذكر حال الموحدين ذكرهم بالصفة التي كانوا عليها، وهي الكاملة التصديق والأعمال، والبيت من المسلمين: هو بيت لوط، وكان هو وابنتاه، وقيل وبنته. وفي كتاب الثعلبي: وقيل لوط وأهل بيته ثلاثة عشر، وهلكت امرأته فيمن هلك، وهذه القصة بجملتها ذكرت على جهة المثال لقريش. أي أنهم إذا كفروا وأصابهم مثل ما أصاب هؤلاء المذكورين.{وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)}.المعنى: {وتركنا} في القرية المذكورة، وهي سدوم أثرًا من العذاب باقيًا مؤرخًا لا يفنى ذكره فهو: {آية} أي علامة على قدرة الله وانتقامه من الكفرة. ويحتمل أن يكون. والمعنى: {وتركنا} في أمرها كما قال: {لقد كان في يوسف} [يوسف: 7] وقال ابن جريج: ترك فيها حجرًا منضودًا كثيرًا جدًا. و: {للذين يخافون العذاب} هم العارفون بالله تعالى.وقوله تعالى: {وفي موسى} يحتمل أن يكون عطفًا على قوله: {فيها} أي وتركنا في موسى وقصته أثرًا أيضًا هو آية. ويحتمل أن يكون عطفًا على قوله قيل: {وفي الأرض آيات} [الذاريات: 20]، {وفي موسى}. و: {فرعون} هو صاحب مصر. والسلطان في هذه الآية الحجة و: {تولى} معناه: فأعرض وأدبر عن أمر الله و: {بركنه} بسلطانه وجنده وشدة أمره. وهو الأمر الذي يركن فرعون إليه ويسند في شدائده. قال ابن زيد: {بركنه} بجموعه قال قتادة: بقومه. وقول فرعون في موسى {ساحر أو مجنون} هو تقسيم ظن أن موسى لابد أن يكون أحد هذين. وقال أبو عبيدة: {أو} هنا بمعنى الواو. واستشهد ببيت جرير: الوافر:
والخشاب: بيوت في بني تميم، وقول أبي عبيدة ضعيف لا داعية إليه في هذا الموضع. و: {نبذناهم} معناه: طرحناهم و: {اليم} البحر. وفي مصحف ابن مسعود: {فنبذناه}، و(المليم): الذي أتى من المعاصي ونحوها ما يلام عليه وقال أمية بن أبي الصلت: الوافر: {وفي عاد} عطف على قوله: {وفي موسى}، و{عاد} هي قبيلة هود النبي عليه السلام.و {العقيم} التي لا بركة فيها ولا تلقح شجرًا ولا تسوق مطرًا. وقال سعيد بن المسيب: كانت ريح الجنوب. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: كانت نكباء. وهذا عندي لا يصح عن علي رضي الله عنه لأنه مردود بقوله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» و: {تذر} معناه: تدع. وقوله تعالى: {من شيء أتت عليه} يعني مما أذن لها في إهلاكه. و: {الرميم} الفاني المتقطع يبسًا أو قدمًا من الأشجار والورق والحبال والعظام، ومنه قوله تعالى: {من يحيي العظام وهي رميم} [يس: 78] أي في قوام الرمال وروي أن تلك الريح كانت تهب على الناس فيهم العادي وغيره، فتنتزع العادي من بين الناس وتذهب به.وقوله تعالى: {وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين} يحتمل أن يريد إذ قيل لهم في أول بعث صالح آمنوا وأطيعوا فتمتعوا متاعًا حسنًا إلى آجالكم، وهو الحين على هذا التأويل وهو قول الحسن حكاه عن الرماني، ويجيء قوله تعالى: {فعتوا} مرتبًا لفظًا في الآية ومعنى في الوجود متأخرًا عن القول لهم {تمتعوا}، ويحتمل أن يريد: إذ قيل لهم بعد عقر الناقة: {تمتعوا} في داركم ثلاثة، وهي الحين على هذا التأويل وهو قول الفراء، ويجيء قوله: {فعتوا} غير مرتب المعنى في وجوده، لأن عتوهم كان قبل أن يقال لهم {تمتعوا} وكأن المعنى فكان من أمرهم قبل هذه المقالة أن عتوا وهو السبب في أن قيل لهم ذلك وعذبوا.وقرأ جمهور القراء: {الصاعقة} وقرأ الكسائي وهي قراءة عمر وعثمان {الصعقة}، وهي على القراءتين الصيحة العظيمة، ومنه يقال للوقعة الشديدة من الرعد: صاعقة. وهي التي تكون معها النار التي يروى في الحديث أنها من المخراق الذي بيد ملك يسوق السحاب.وقوله: {وهم ينظرون} يحتمل أن يريد فجأة وهم يبصرون بعيونهم حالهم، وهذا قول الطبري ويحتمل أن يريد: {وهم ينظرون} ذلك في تلك الأيام الثلاثة التي أعلموا به فيها ورأوا علاماته في تلونه، وهذا قول مجاهد حسبما تقدم تفسيره، وانتظارهم العذاب هو أشد من العذاب.{فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45)}.قال بعض المفسرين: {من قيام} معناه: ما استطاعوا أن يقوموا من مصارعهم. وقال قتادة وغيره معناه: ما قيام بالأمر ودفعه كما تقول: ما أن له بكذا وكذا قيام، أي استضلاع وانتهاض.وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم: {وقوم نوح} بالنصب، وهو عطف إما على الضمير في قوله: {فأخذتهم} [الذاريات: 44] إذ هو بمنزلة أهلكناهم، وإما على الضمير في قوله: {فنبذناهم} [الذاريات: 40]، وقرأ أبو عمرو فيما روى عنه عبد الوارث: {وقومُ نوح} بالرفع وذلك على الابتداء وإضمار الخبر وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: {وقومِ} بالخفض عطفًا على ما تقدم من قوله: {وفي ثمود} [الذاريات: 43] وقد روي النصب عن أبي عمرو. اهـ.
وقال قتادة وعكرمة: الرنة.قيل: قالت أوّه بصياح وتعجب.وقال ابن بحر: الجماعة، أي من النسوة تبادروا نظرًا إلى الملائكة.وقال الجوهري: الصرة: الصيحة والجماعة والشدة.{فصكت وجهها}: أي لطمته، قاله ابن عباس، وكذلك كما يفعله من يرد عليه أمر يستهوله ويتعجب منه، وهو فعل النساء إذا تعجبن من شيء.وقال السدي وسفيان: ضربت بكفها جبهتها، وهذا مستعمل في الناس حتى الآن.{وقالت عجوز عقيم}: أي إنا قد اجتمع فيها أنها عجوز، وذلك مانع من الولادة، وأنها عقيم، وهي التي لم تلد قط، فكيف ألد؟ تعجبت من ذلك.{قالوا كذلك}: أي مثل القول الذي أخبرناك به، {قال ربك}: وهو القادر على إيجاد ما يستبعد.وروي أن جبريل عليه السلام قال لها: انظري إلى سقف بيتك، فنظرت، فإذا جذوعه مورقة مثمرة.{إنه هو الحكيم}: أي ذو الحكمة.{العليم} بالمصالح.ولما علم إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنهم ملائكة، وأنهم لا ينزلون إلا بإذن الله تعالى رسلًا، قال: {فما خطبكم} إلى: {قوم مجرمين}: أي ذوي جرائم، وهي كبار المعاصي من كفر وغيره.{لنرسل عليهم}: أي لنهلكهم بها، {حجارة من طين}: وهو السجيل، طين يطبخ كما يطبخ الآجر حتى يصير في صلابة كالحجارة.
|